رياح التغير - 6- بقلم هشام الصدر

أغسطس 2004


النظافة من الإيمان


هذه العبارة، كانت أول ما تقع عليها عينى حين أدخل من باب المدرسة، وأنا فى الصف الأول الإبتدائى، أى حين كان عمرى حوالى 6 سنوات .. كانت مكتوبة على لوح خشبى أبيض مستطيل الشكل، ومعلقة على الجدار المقابل لباب المدرسة من الداخل، بحيث يراها كل الداخلين. وكانت مكررة فى أكثر من مكان بفناء المدرسة .. وأذكر أننا أثناء لعبنا فى "الفسحة"، ألقى أحدنا ذات مرة بالورقة التى تلف "الساندوتش" بعد أن إنتهائه من أكله على أرض الفناء .. فما كان من "أبلة سعاد" مدرسة فصلنا، إلا أن نادت عليه وعلينا جميعاً، وجعلتنا نقرأ تلك اليافطة (النظافة من الإيمان والقذارة من الشيطان) واحداً تلو الآخر .. ثم شرحت لنا معناها، وبعد ذلك .. أمرتنا جميعاً بتنظيف أرض الحوش "الفناء" من كل الأوراق المرماة فيه .. وهو ما فعلناه عن حب وبإقتناع وبسعادة، وتسارعنا فيما بيننا؛ من منا سيجمع أوراق أكثر من الباقين.


عندما زرت مصر بعد سنوات من الغياب، وكانت إبنتى ذات الثمان سنوات تزور مصر لأول مرة، وأرادت الذهاب إلى دورة المياه فور هبوطنا من سلم الطائرة .. أخذتها إلى دورة مياه المطار الجديد "الثانى" .. والمفترض أنه الأحدث والأنظف، ووقفت أنا على الباب من الخارج، بينما دخلت هى بمفردها .. لتخرج بعد دقائق وهى تضع على وجهها كل علامات الغضب والضيق وتقول لى: دى آخر مرة حأدخل الحمام ده .. ده مش نضيف خالص، كله قرف، وفيه واحدة ست نايمة جوه، هى ماعندهاش بيت؟

طبعاً لم أتمالك نفسى من الضحك، وداريت خجلى منها وعدم قدرتى على الرد على ملاحظتها، بمزيد من الضحك ومداعبتها بنكش شعرها بأصابعى ثم تغيير الموضوع سريعاً بحثها على الجرى لنقف فى طابور الجوازات.

وأحد الأيام .. أخذتها لتركب الأتوبيس النهرى، وكانت مبهورة بالنيل .. لكن
كانت تجلس أمامنا سيدة أو أنسة منقبة تماماً لا يظهر منها سوى عينيها خلف نظارة طبية.
هذه السيدة كانت "تقزقز اللب" طوال الرحلة النيلية دون توقف .. وكانت ترمى القشر بعد أن تجمع كمية منه فى يدها، من شباك الأتوبيس النهرى .. أى فى النيل
وبتصرف تلقائى .. فاجئنى أنا نفسى .. وجدت ابنتى الصغيرة تخبط على كتف هذه السيدة، وتسألها:
"حضرتك ليه بترمى القشر فى النيل؟ كده يتوسخ"

لم ترد عليها .. بل كان رد فعلها .. أنها أعطت لصبي كان يجلس بجوارها بعض اللب .. وهمست فى أذنه .. فيقوم الصبي ليقف بجوار الشباك، ويقزقز ويرمى فى النيل .. وينظر لنا بنظرات تحدى .... وهى .. لم تتوقف بالطبع .. بل استمرت هى أيضاً فى القزقزة والرمى.


لا أكف يوماً واحداً عن الحديث عن مصر مع إبنتى لأعوضها عن بعدها عنها، ولأنها طفلة صغيرة، فدائماً ما أحاول إبراز الصور الإيجابية التى تشد إنتباه الأطفال إلى مصر .. فكان موقف حمام المطار هذا وموقف الأتوبيس النهرى، كالضربة القاضية التى نزلت على كل ما حاولت أن أزرعه داخلها منذ ولدت .. وكان المقابل لتعويض تجربتها تلك، هو أن آخذها للأماكن الخمس نجوم فقط ومهما كانت التكلفة سواء كانت مادية أو كانت تعنى حرمانها من التجول الحر فى الشوارع.

فى تجولاتى الحرة فى الشوارع .. لاحظت حدوث النقيض تماماً لما تعلمته من مدرستى وأنا فى أول سنوات المرحلة الإبتدائية .. فالجميع يلقى كل ما فى يده فى الشوارع، من نافذة السيارات ومن شرفات المنازل، وأثناء السير فى الشارع.

والعجيب .. والغريب .. والغير مفهوم .. أن نفس هؤلاء الناس .. هم أنفسهم من يشكون من قذارة الشوارع وقذارة كل شئ حولهم
!!!!


كنت مع صديق فى السيارة، وكنا نأكل بعض ساندوتشات الفول والطعمية اللذيذة ونشرب علب عصير الجوافة المميزة فى مصر، وكان هذا أثناء سيرنا فى الطريق بالسيارة، وبعد إنتهائنا من الأكل والشرب، جمعنا المخلفات فى الكيس البلاستيك الذى كان معنا، وإذا به يأخذه منى، ويلقى به من الشباك على رصيف الطريق السريع

"أخذنى تصرفه .. وعبرت عن دهشتى وإنزعاجى منه .. فكان رده ببساطة: "صلى عالنبى
ثم أسرد قائلاً: "يعنى هو الكيس ده اللى حيلوث القاهرة؟ إنت مش شايف إنك ماشى فوق صفيحة زبالة؟ أيوة انت صح، لكن أين البديل؟ وبعدين دى بلد فيها حكومة بنت "......" بياخدوا ضرائب أد كده علشان ينضفوا .. خلاص .. خليهم ينضفوا.

كان ردى مقتضباً: "ولو هم ما نضفوش؟؟ حتعمل إيه؟؟ إنت بتنضف لنفسك أساساً."
فنظر لى ... وابتسم.


عندما أقص تلك الحادثة وغيرها .. فهدفى من القص هو توضيح أن القذارة فى الشوارع والمرافق العامة، أمر يلفت نظر الجميع، حتى الأطفال .. وهو ليس مبالغةً منى ولا من غيرى ممن يتحدثون عنه كلما ذكروا إنطباعاتهم عن زيارة مصر .. وبالذات غير المصريين من الأجانب، الذين لم يتعودوا إلا على النظافة والنظام فى بلادهم.



لسنا شعب قذر كما سمعت من البعض عندما دار حواراً معهم حول نفس الموضوع .. على العكس .. نحن شعب غاية فى النظافة .. ويكفى وضوءنا 5 مرات يومياً للتدليل على هذه النظافة التى نتمتع بها، ويكفى أن نزور أحد البيوت، لنرى نظافتها رغم قلة الإمكانيات ورغم طبيعة مناخنا وجونا الذى يرمى مدننا وقرانا بالتراب بشكل دائم، وليس كغيرنا من البلاد، التى يهطل فيها المطر بشكل أسبوعى وأحياناً يومى على مدار السنة، فيغسل الشوارع والمبانى والأشجار وكل شئ .. ومع ذلك .. لا نكف عن تنظيف بيوتنا، ولا عن نظافة أجسامنا ولا عن الإهتمام بمظهرنا الشخصى الخارجى ... لكن .. يبقى السلوك العام والتعامل مع المرافق العامة .. كنقطة سوداء .. لا .. بل بقعة كبيرة سوداء، تشين سلوكنا ومظهرنا العام. وهذا يعود إلى قلة الوعى .. ويعود إلى ضعف الإنتماء للمكان، فحينما كان الإنتماء قوياً .. كانت بلدنا رغم ظروفها المناخية من أنظف بلاد الأرض .. والصور القديمة خير شاهد على ذلك.

الحل لنظافة بلدنا سهل .. ألا نلقى بأية مخلفات .. مهما كانت تفاهتها .. فى الشوارع. أن نفعل كما تفعل كل شعوب الدول المتحضرة النظيفة، بأن نحتفظ بمخلفاتنا فى يدنا أو فى جيوبنا أو حقائبنا حتى نجد أقرب سلة مهملات فنلقيها فيها.

أهذا صعب؟؟ ... أم سهل .. ونتيجته أكيدة؟؟

يتبع

هى دى المقالة اللى انا قلت لك عليها يا سيسامى مكنتش موجوده هنا على المنتدى ونقلتها من الفيس بوك

الله ينور يا اتش

الله ينور يا اتش

واللى شالت الموضوع من الفيس بوك للـ المنتدى ونقلته فى عز الشمس
ملهاش شكر ملهاش الله ينور حتى ولو لمبه سهارى ملهاش واحد شاى
ماشى ماشى
عموماّ انا نزلت الموضوع الخاص يهشام كبداية لفتح باب النقاش حول تفعيل الموضوعات التى تحث على ترسيخ سلوك النظافة وكيف يمكننا من خلال منتدانا المتواضع عرض الإقتراحات القابله للتنفيذ .

.....................................

عيب يا ايمي طبعا الله ينور عليكي وتسلم ايدك كمان