حد يفهمني قبل ما عقلي يشت

بالوثائق: وزارة الري باعت كميات غير محدودة من مياه النيل لشركة كندية مقابل ٣.٥ مليون جنيه

كتب عماد الشاذلي ١/٤/٢٠٠٨

حصلت «المصري اليوم» علي وثيقة رسمية تكشف قيام وزارة الري والموارد المائية ببيع كميات غير محدودة من مياه نهر النيل لشركة «أجريوم المصرية للمنتجات النيتروجينية» مقابل ٣ ملايين و٤٣٠ ألف جنيه فقط. وتنص الوثيقة، التي جاءت في هيئة خطاب من الدكتور محمود أبوزيد، وزير الموارد المائية والري إلي العضو المنتدب لـ«أجريوم» دونلاريسون، علي موافقة الوزارة علي قيام الشركة بسحب ١٢٠٠ متر مكعب كل ساعة من مياه فرع دمياط لتغذية مشروع مصنع تنفذه الشركة، والأهم من ذلك أن الخطاب اعتبر المبلغ ـ الذي أرسلت «أجريوم» شيكا به ـ «مساهمة» منها في أعمال تطوير وتأهيل مجري فرع دمياط، ولم يسم العملية بأنها «بيع لمياه النيل».

وحسب نص موافقة الوزارة فإن الشركة ستسحب من مياه النيل ٨٦٤ ألف متر مكعب شهريا من مياه النيل، طيلة فترة المشروع لتغذية المصنع، دون تحديد لهذه الفترة، وهو ما يعني أن المياه المباعة ربما تتجاوز ملايين المترات المكعبة.

ووصف الدكتور محمد سالم، رئيس قسم علوم البيئة في جامعة المنصورة هذه الموافقة بأنها «جريمة حكومية» في حق نهر النيل الذي تجب المحافظة علي مياهه، وقال لـ«المصري اليوم»: التفريط في مياه النيل غير مقبول لأي سبب من الأسباب، خاصة أن هذه الشركة سوف تستخدم المياه في عمليات التبريد.

وقدم محمود صيام، عضو مجلس الشعب، طلب إحاطة عاجلا إلي الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء حول إصرار الحكومة علي تنفيذ المشروع ومنحه تسهيلات كبيرة متجاهلة حالة الغليان التي تجتاح الشارع الدمياطي.

وتواصلت ردود الفعل الغاضبة ضد شركة «أجريوم» بسبب مصنع البتروكيماويات، المقرر إقامته بالقرب من مصيف رأس البر.

نظيف باع دمياط (مجاملة) لأصدقائه الكنديين!

بقلم د.سعيد اللاوندى ٩/٤/٢٠٠٨

.. بالقطع لن أكون الأخير الذي يكتب عن الكارثة البيئية التي ستحيق بمدينة دمياط، وبدأت بشائرها تظهر علي صدور الصغار من أبناء هذه المنطقة الأثيرة إلي قلوبنا، خصوصاً منتجع «رأس البر» الذي يستعد حالياً لإسدال الستار علي مشاهده الطبيعية الخلابة، وأجوائه وطقسه الذي كان مضرب الأمثال في الهدوء والاعتدال.

وإحقاقاً للحق لابد أن أعترف بأن نفراً من «الواصلين» في مصر المحروسة، والقادرين علي فهم سياستها (في الداخل) كانوا أقسموا بأغلظ الأيمان مؤكدين أن مصنع البتروكيماويات الذي يرفضه الدمايطة (الشعبيون والرسميون) سوف يقام وأنف الجميع في الرغام.. ولن يفيد اعتراض أو احتجاج.. فكل شيء مُعدّ سلفاً، فقط سيقال (تمام يا أفندم) لتسير الأمور كما هو مُقدر لها.

ومما أذكره أن أحد هؤلاء العارفين بأمور الحكومة والمحكومين قال لي هامساً: إن الشركة الكندية (صاحبة المشروع) أنفقت نحو ٣٧٠ مليون دولار في دراسات الجدوي، ولن تقبل هذه الخسارة..

فضلاً عن أن هذه الدراسات قد أكدت - زوراً وبُهتاناً - صحة المشروع وعدم إضراره بالمواطنين. وبالتالي فلا مبرر لإيقافه أو تعطيله.. فالأوراق تقول إنه مشروع استثماري وليس ملوثاً للبيئة أو قاتلاً للأطفال أو ناشراً لأمراض السرطان والفشل الكلوي وفيروس الكبد الوبائي.

.. صحيح هاجت الدنيا وماجت، فأصرّ الدمايطة علي موقفهم ضد هذه المؤامرة التي تغتال سمعة دمياط وتقضي علي الأخضر واليابس في مقابل مشروع لن يعود بشيء اللهم إلا الأوبئة والخراب القريب لواحد من المصايف العريقة في مصر وهو مصيف رأس البر.

والسؤال الآن: كيف استطاع الدكتور أحمد نظيف أن يقلب الأسود أبيض، وأن يقنع الجميع بأن هذا المصنع سيعود بالخير العميم علي مصر والمصريين، وأن يقدم أرقاماً غير صحيحة، مستنداً إلي أوراق تبدو رسمية لكنها مُغرضة، ووهمية ولا مصداقية لها مثل تلك الأوراق التي تبرئ هذا المشروع الخبيث من المخاطر التي سيملأ بها الأجواء (بيئياً وصحياً).

.. السؤال يسنح في النفوس لكننا قد نجد مبرراً لطرحه في العلن إذا علمنا أن الدكتور نظيف كان طالباً في إحدي جامعات كندا، وتربطه علاقات طيبة ببعض المستثمرين الكنديين الذين خالطهم وعاش معهم في زمن تلقيه للعلم في مونتريال.

.. ولأن الدكتور نظيف رجل يعرف الأصول، ولا يمكن أن يتخلي عن أصدقائه الكنديين، فأفسح لهم المجال رحباً لتلويث مصر تحت ستار الاستثمار فيها.. وكان - ولايزال - السفير الكندي في القاهرة هو همزة الوصل بين الحكومة المصرية - مكتب الدكتور نظيف تحديداً - وبين فريق الاستثمار الكندي.

.. وعندما وصل الأمر إلي المحاكم كلّف الدكتور نظيف أحد المحامين (العاملين في مكتبه) للدفاع عن حق الشركة الكندية في بناء المصنع المشؤوم.

ولم يسأل الرجل نفسه: أيهما أكثر إيغالاً في النفس والتصاقاً بها: الانتماء لمصر أم الانتماء إلي كندا.. ثم كيف نصدق تقارير وشهادات أصدرتها الشركة الكندية التي ستقوم بتنفيذ المشروع.. أين الشفافية والنزاهة والموضوعية التي تتحدث عنها التقارير العلمية.. والجميع يعلم أنها تقارير باطلة لأنها صادرة عن جهة (هي في الأصل الطرف الرئيسي في المشروع).

.. والعجيب والغريب أن وزارة الدولة لشؤون البيئة لا وجود لها من الناحية العملية والفعلية، ولعلها - علي أقصي تقدير - ليست سوي جهة تصديق.. فلقد صدرت تقارير الشركة التي تحمل براءة المشروع، ممهورة بإمضاء السيد ماجد جورج وزير البيئة.. وهذا معناه أننا أمام صك غفران لا يجب التشكيك فيه أو إثارة الأقاويل حوله، مع أنها تقارير فاسدة لأنها جعلت من المجرم أو المشتبه فيه خصماً وحكماً.. وهذا باطل الأباطيل!

.. وهكذا بعد أن كان الأمل يداعب جفون الدمايطة سارت القضية في اتجاه آخر وبات علي المسؤولين أن يزيلوا الغشاوة من فوق عيون المواطنين، ليروا أن مصنع البتروكيماويات الكندي سيكون «الجنة» التي وعد الله بها المتقين!

.. نعم أسقط في يد الدمايطة عندما اكتشفوا أن شيئاً لن يتغير، فما يريده الدكتور نظيف سيكون.. وقضي الأمر!! ولذلك صدقوا ما سبق أن كذبوه وهو أن الشركة الكندية (سرها باتع)، والدكتور نظيف سيدافع عنها دفاع الأسد عن عرينه.. وصدقوا أيضاً أن كثيرين لن يتكلموا لأن في فمهم (ماء) أو (ذهب) لا فرق..

.. أخطر ما في هذه القضية أنها أكدت عدة معان سلبية أولها أن النضال الشعبي والمطالبة بالحقوق والارتكان إلي الحجج القانونية، هي جميعاً مفاهيم جوفاء لا وجود لها في أرض الواقع.. ومن يصدقها تمتلئ نفسه بالحسرات، ويصاب بالخيبات! وثانيها أن السلطة باطشة ومعظم أصحاب السلطة في مصر هواة، لذلك لا يرون غضاضة في بيع مصر لأصدقائهم من قبيل تأكيد الحب والمودة..

وثالثها أن مثل هذه الجرائم ترتكب بدم بارد لأن قاموس الحياة السياسية في مصر لم يعرف يوماً محاكمة مسؤول وهو في مقعده الوثير.. وبالتالي فإن محاكمته بعد ترك المقعد لن تكون.

ولأن الدكتور نظيف يعرف هذه الحقيقة جيداً، فقد قدم - في أريحية شديدة - واطمئنان بالغ - دمياط إلي أصدقائه الكنديين علي طبق من ذهب!

وقف العمل في مشروع «أجريوم» والتحفظ علي معداته.. ووفد كندي يقابل «نظيف»

٢٢/٤/٢٠٠٨


أوقفت قوة من مديرية أمن دمياط وشرطة رأس البر، أعمال الإنشاءات في مصنع «أجريوم»، بناء علي قرارات جهاز تعمير مدينة دمياط الجديدة، بعد رفض الشركة تنفيذ هذه القرارات، وتحفظت القوة علي المعدات التي وجدتها في أرض الموقع، وعينت عليها حراسة لمنع مسؤوليها من استئناف العمل.

في الوقت نفسه، علمت «المصري اليوم» أن وفداً من شركة «أجريوم» الكندية الأم، وصل القاهرة أخيراً لبحث الأزمة مع الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء.

وقدمت الجمعية التعاونية للبناء والإسكان بدمياط، طلباً عاجلاً إلي وزارة العدل، لوقف أعمال إنشاء مصنع الأسمدة، وحددت لجنة التوفيق في المنازعات جلسة ١٩ مايو المقبل لنظر الطلب، واختصمت الجمعية الدكتور أحمد نظيف، رئيس الوزراء، ونظيره الكندي ستيفن هاربر، ووزراء التنمية المحلية والبيئة والبترول والتجارة والإسكان والنقل، ومحافظ دمياط، وأمين عام الحزب الوطني، وأمين السياسات في الحزب، والسفير الكندي في القاهرة، بصفاتهم.

وأصدرت الجمعية العمومية الطارئة لنادي قضاة دمياط، أمس الأول، بياناً يندد بالمشروع، ويؤكد أنه سيتسبب في خسائر لن تقل عن ١٠٠ مليار جنيه.

وشن نواب في مجلس الشعب، هجوماً شرساً علي المشروع، وطالبوا بنقله، ملوحين بصورة من تقرير، نشرته مجلة كندية يؤكد أن شركة «أجريوم» تحتل المركز السابع علي مستوي العالم في لائحة الشركة الملوثة للبيئة.

وانتقد محمود أباظة، رئيس حزب الوفد - خلال اجتماع لجنة الصحة أمس - الحكومة، لقيامها بمنح المصنع ٧٠٠ ألف دولار يومياً قيمة الغاز الطبيعي بالسعر المدعم، فيما حذر النائب الدمياطي جمال الزيني، من أن هناك «مزايدين» يستغلون ثورة الشارع الدمياطي، وقال النائب سيد موسي «وطني»، إن أهالي المحافظة طالبوا نوابها بتجهيز أكفانهم، إذا تم تنفيذ المشروع.

وقال النائب محمد خليل قويطة، إن المصنع سينشئ خزاناً يحتوي علي ٣٠ ألف طن أمونيا و٤٠ ألف طن يوريا، وإذا انفجر ستعادل قوته التدميرية قنبلة هيدروجينية، كفيلة بتدمير منطقة الدلتا. وأكد الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء، أن لجنة الصحة سوف تقوم بزيارة لمعاينة الموقع علي الطبيعة.